رؤى

مشروع “طريق التنمية” العراقي.. ومبادرة “الحزام والطريق” الصينية.. تكامل وتنمية!

في الوقت الذي لا يزال فيه الجدل في العراق محتدمًا بشأن مشروع “طريق التنمية”، أو ما يُطلق عليه “القناة الجافة”، الذي أعلنه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قبل أيام، لجهة علاقته بالمبادرة الصينية “الحزام والطريق”، حسمت الصين هذا الجدل بما ينسجم مع أهمية المشروع. إذ اعتبر السفير الصيني لدى العراق “تسوي وي” أن المشروع مكمّلٌ لمبادرة الحزام والطريق. جاء ذلك خلال لقائه مع رئيس الوزراء العراقي في بغداد، بحضور وزير النقل العراقي رزاق محيبس السعداوي.

هذا وإن كان يؤكد على مدى الاهتمام الصيني بمشروع طريق التنمية العراقي، فإنه في ذات الوقت، يطرح أسباب هذا الاهتمام و دوافعه؛ وذلك في الإطار العام لأهمية العراق في الرؤية الصينية، والمحاولات في جذبه إلى مبادرة الحزام والطريق؛ فضلا عن المحاولة الصينية في الدخول على خط ربحية المشروع، والاستفادة من تقليل تكلفة النقل، التي سيوفرها للسلع الصينية المتوجهة إلى أوروبا.

طريق التنمية

إضافة إلى “القناة الجافة”، يُطلق على مشروع طريق التنمية اسم “طريق الحرير العراقي”؛ ويشمل استكمال إنجاز ميناء الفاو الكبير بمحافظة البصرة المُطل على الخليج العربي، والذي بدأ تشييده قبل أكثر من عقد من الزمان، وبلغت نسبة إنجازه 50 % بتكلفة تصل إلى 2.6 مليار دولار؛ ومن المنتظر البدء في تشغيله جزئيا عام 2025. ومشروع طريق التنمية عبارة عن خط بري وآخر للسكك الحديدية يربط الخليج بالحدود التركية.

ويمتد خط السكك الحديدية من ميناء الفاو جنوبا إلى الحدود العراقية التركية شمالا، على طول 1200 كيلو متر، ويتكلف ميزانية ضخمة تصل إلى حوالي 17 مليار دولار، ويهدف لنقل 400 ألف حاوية من البضائع في مرحلته الثانية. وتُقسم عملية إنجاز طريق التنمية إلى ثلاث مراحل: الأولى، تنتهي في عام 2028، والثانية في 2033، والثالثة في 2050، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء العراقية “واع” عن مسئولين عراقيين.

ويهدف المشروع إلى نقل البضائع من موانئ العراق على مياه الخليج العربي في البصرة، إلى تركيا، مرورا بمحافظات البصرة ثم ذي قار والقادسية وواسط، ثم باتجاه العاصمة بغداد، ومنها إلى صلاح الدين وكركوك ونينوى، وصولا إلى المثلث العراقي التركي السوري من جهة منطقة فيشخابور. علاوة على أن المشروع سيتضمن بناء حوالي 15 محطة قطار على طول الطريق، بما في ذلك المدن الرئيسة في البصرة وبغداد والموصل، وحتى الحدود مع تركيا، ومن ثم إلى أوروبا ومنطقة القوقاز؛ ليتحول بذلك العراق، من خلال المشروع، إلى محطة رئيسة للتجارة ومحطة نقل بين آسيا وأوروبا، أي سيكون بمثابة أداة لربط تجارة شرق العالم مع غربه.

دوافع بكين

لعل أهم الدوافع التي تستند إليها الصين، في موقفها الإيجابي من المشروع.. هي التالية:

أولًا: موقع العراق الجيواستراتيجي في الرؤية الصينية؛ إذ، فضلًا عن موقع العراق في خارطة الطاقة الصينية، فإنه يُمثل جسرًا جغرافيًا رابطًا بين قارتي آسيا وأوروبا، ومنطقتي الخليج العربي وبلاد الشام؛ بما يعني أن العراق يقع في قلب مبادرة الحزام والطريق، من منظور أنه يُمثل أحد أهم النقاط على خطوط المواصلات بين آسيا وأوروبا؛ فضلًا عن كونه جار لثلاثة أطراف في المبادرة الصينية: إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية.

ومن خلال التمعن في شبكة التجارة، يتضح أن موقع العراق الجغرافي يؤهله ليكون أحد النقاط المهمة للمبادرة الصينية؛ إضافة إلى أنه سيتم عن طريقه نقل النفط والغاز والمواد الأولية والبضائع الأخرى.

ثانيًا: تنمية النفوذ الصيني في العراق وجواره الإقليمي؛ حيث تبحث الصين إمكانية دعم مشروع طريق التنمية؛ ففي خلال استقبال رئيس الوزراء العراقي للسفير الصيني لدى بغداد، أبدى الأخير رغبته في الإطلاع على دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، مؤكدًا على “استعداد الصين لتقديم المشورات الفنية لإنجاز هذا المشروع الحيوي”. أيضًا، أبدى السفير الصيني، خلال لقائه مع وزير النقل العراقي رزاق السعداوي، استعداد بلاده “للمساهمة في هذا المشروع الذي يربط العراق بأوروبا”.

هذا الاستعداد للمساهمة، من جانب الصين، يؤشر إلى محاولتها تنمية نفوذها بالنسبة إلى العراق، خاصة أن طريق التنمية سوف يستحوذ على نحو 25 % من التجارة بين الصين والهند مع الاتحاد الأوروبي، التي تمر جميعها حاليًا عبر قناة السويس، بحسب وزارة التجارة العراقية، في 2 يونيو.

ثالثا: الاستفادة من تقليل تكلفة نقل البضائع الصينية؛ فمشروع طريق التنمية العراقي، سوف يُسهم في اختصار الوقت الذي تستغرقه حركة النقل التجاري بين آسيا وأوروبا، بما يُتيح تقليل تكلفة النقل؛ إذ، تُشير التقديرات إلى أن مدة شحن البضائع، من ميناء شنغهاي الصيني إلى ميناء روتردام الهولندي، تستغرق حوالي 33 يومًا، في حين أنها سوف تستغرق 15 يومًا فقط عندما تنتقل البضائع من ميناء شنغهاي الصيني إلى ميناء جوادر الباكستاني، ثم إلى ميناء الفاو في جنوب العراق، ومنه عبر القناة الجافة العراقية إلى موانئ البحر المتوسط في تركيا، ومنها إلى ميناء روتردام الهولندي. بما يعني تقليص زمن الرحلة بأكثر من 50 %.

وهذا ما يُضيف ميزة إضافية إلى المشروع العراقي، تتعلق باختصار الوقت والطريق، بما يخدم سلاسل التوريد بشكل عام في المنطقة؛ وهي الميزة التي تحد كثيرًا من صعوبات التفريغ، ثم إعادة شحن البضائع، أكثر من مرة حتى تصل إلى مبتغاها في أوروبا.

رابعًا: محاولة الدخول الصيني على خط ربحية المشروع؛ فبالرغم من التكلفة المرتفعة للمشروع، التي تصل إلى 17 مليار دولار؛ والتي ستنقسم إلى حوالي 10 مليارات دولار، لشراء قطارات كهربائية سريعة تنقل الحمولات في حوالي 16 ساعة؛ فضلًا عن إنفاق الباقي على مد خطوط السكك الحديدية بطول 1200 كيلو متر.. رغم ذلك، فمن المنتظر أن تصل الأرباح السنوية للمشروع إلى حوالي 4.850 مليار دولار سنويًا.

وإضافة إلى ما يمكن أن يوفره المشروع من فرص عمل لقطاع عريض من الشباب، قد تصل إلى قرابة 100 ألف فرصة عمل؛ فإنه سوف يوفر أيضا فرص متعددة للشركات الصينية التي يمكن أن تساهم في إنجاز المشروع، بما يُمثله العراق من موقع متميز في الرؤية الصينية لمنطقة الشرق الأوسط. فالعراق يُمثل ثالث أكبر شريك للصين في مشاريع الطاقة بعد باكستان وروسيا، ويحظى بأكبر نسبة استثمارات في المنطقة، تصل إلى 10.5 مليار دولار، بحسب الأكاديمي الاقتصادي العراقي عبد الرحمن المشهداني، في بحث له حول العلاقات العراقية الصينية، نشر في فبراير الماضي.

خامسًا: جذب العراق إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية؛ حيث يُعد ضم العراق إلى المبادرة مُحفزًا للصين في تفعيل علاقاتها الاقتصادية مع العراق، كما أن الواردات الصينية من النفط الخام، ارتفعت كثيرًا في السنوات الأخيرة، مما يعكس أهمية النفط العراقي في التوجهات الصينية نحو الخارج، كون العراق من البلدان الكبرى من حيث احتياطيات النفط.

ورغم أن العراق لا يُشكل حاليا جزءًا من مبادرة الحزام والطريق، إلا أن موقعه الجيواستراتيجي بالنسبة إلى خطوط المواصلات بين آسيا وأوروبا، فضلًا عن كونه جارًا لثلاث أطراف في المبادرة الصينية، كلها مزايا تدفع الصين إلى محاولة جذب العراق للمبادرة.

فرصة ربحية

في هذا السياق، يُمكن القول بأن الإعلان عن مشروع طريق التنمية، يأتي في إطار إعادة تموضع العراق على خريطة التجارة والنقل العالمي، وسعيه لأداء دور إقليمي بارز خلال الفترة المقبلة. وفيما يُفترض أن تكون الصين قد وضعت حدًا للجدل العراقي الداخلي، بشأن جدوى أو عدم جدوى مشروع طريق التنمية، عبر محاولتها الدخول على خط المشروع، والمساهمة في تنفيذه؛ فإن الواضح أن بكين تسعى إلى دعم كل المبادرات والمشروعات الاقتصادية التي تقع على نقاط التماس مع مبادرة الحزام والطريق.

وكما يبدو، فإن المشروع العراقي يُمثل “فرصة ربحية” للجانب الصيني، الذي يسعى لتدعيم نفوذه الاقتصادي، والتجاري، في العراق، وجواره الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock