رؤى

هل يتحمل الكيان الصهيوني.. حرب استنزاف طويلة؟

يحاول مجرم الحرب الصهيوني يوآف جالانت من آن لآخر إصدار بعض التصريحات غير الواقعية بُغية صرف الأنظار عن أمرين خطيرين.. يتعلق الأمر الأول بالوضع الكارثي لجيش الاحتلال في قطاع غزة، والهزائم المريرة التي تتلقاها قواته في مختلف مدن وأحياء القطاع، مع حجم خسائر في الأرواح والمعدات.. ربما لم تعرفه دولة الاحتلال عبر تاريخها البغيض.

أما الأمر الثاني الذي يحاول جالانت إحداث أكبر قدر من الضجيج الفارغ للفت الأنظار عنه، فهو صراعه -الذي تجاوز كل الحدود- مع رئيس الوزراء نتنياهو.. الأمر الذي بلغ ذروة التحدي خلال الأيام القليلة الماضية عندما منع نتنياهو انعقاد اجتماع كان من المفترض أن يضم جالانت ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي، إلى جانب رئيس الموساد دافيد برنياع، ورئيس الشاباك رونين بار.

كما يحاول نتنياهو منذ اندلاع الحرب تحميل جالانت ورؤساء الأجهزة الأمنية، خاصة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) أهارون حاليفا- مسئولية الضربة الموجعة التي تلقاها الكيان، فجر السابع من أكتوبر المنقضي، وتوابعها التي جعلت بقاء الدولة العبرية أمرا محل شك.

وعودة إلى تصريحات جالانت العبثية إذ صرّح في بداية الحرب أن العمليات العسكرية قد تستغرق ثلاثة أشهر على الأكثر للقضاء على المقاومة.. وقد قاربت الأشهر الثلاثة على الانقضاء دون أية مؤشرات تؤيد زعمه.. لكن جالانت عاد مطلع الشهر ومدد الفترة  لعدة أشهر أخرى مدعيا أن ذلك ما تستلزمه “عمليات التطهير والقضاء على جيوب المقاومة الإرهابية”، حسب ما صرّح به في مقابلة مع قناة “إي بي سي” نيوز الإخبارية الأميركية.

والحقيقة أن الكارثة مكتملة الأركان التي حاقت بدولة الاحتلال الصهيوني – أفدح بكثير من أن يتعامل معها مجرم الحرب جالانت أو غريمه الفاسد نتنياهو بأي درجة من درجات الصدق أو الصراحة.. فالكيان يعاني بالفعل من “مأزق استراتيجي” بعد نحوٍ من ثلاثة أشهر على بدء الحرب على القطاع، إذ تجاوزت تكلفة الحرب- وفق أدنى التقديرات- حوالي 18 مليار دولار، وفق ما نشرته أمس صحيفة هاآرتس.. التي ذهب أحد محلليها إلى أنه من المحتمل أن يُفرض على الكيان الصهيوني خوض حرب استنزاف لا قِبَل للدولة العبرية بها؛ خاصة مع محاولات نتنياهو التي لا تهدأ لتقويض الديمقراطية.. مع تنامي الخلاف بين الحكومة والرأي العام.

هذا الوضع لا يتيح لجيش الاحتلال – رغم الدعم الأمريكي الهائل- تنفيذ استراتيجيته التي تعتمد على تحقيق الأهداف العسكرية على المدى البعيد عبر تفجير المزيد من الآبار والأنفاق، وتصفية قادة المقاومة.. لكن تلك الاستراتيجية تعترضها عقبة كأداء تتمثل في الغضب المتصاعد لدي الرأي العام بسبب تزايد الخسائر الإسرائيلية، وعدم تحقيق إنجازات ملموسة على الأرض.. مع تنامي العداء للكيان الصهيوني في العالم كله.. ووصف الحرب على غزة بأنها إبادة جماعية، وجريمة ضد الإنسانية لن تسقط بالتقادم.

ما يجعل صمود الكيان الغاصب في حرب استنزاف قد تمتد لأشهر أخرى- أمرا محل شكوك عديدة.. هو ما يلي: تعدد جبهات القتال، واتساع رقعة المواجهات بارتفاع عدد الدول المعادية ودخول اليمن الحرب بمنع مرور السفن التابعة للكيان في البحر الأحمر، ورشق ميناء إيلات بالصواريخ واستهداف نفس الميناء من قبل الجيش السوري برشقات صاروخية، مع استمرار هجمات حزب الله من الشمال.. كما أعلنت المقاومة الإسلامية بالعراق أنها استهدفت بالصواريخ تجمعات صهيونية في الجولان المحتل وميناء إيلات  وشمال شرقي أربيل بكردستان العراق.

ولا شك أن الدعم الأمريكي للكيان الغاصب سيتأثر كثيرا مع اقتراب انتخابات الرئاسة الأمريكية، وتصاعد الرفض بشكل غير مسبوق للدعم غير المحدود للكيان في حربه غير الأخلاقية على القطاع- بين الأمريكيين ربما لأول مرة منذ قيام دولة الاحتلال.

يبقى الوضع الاقتصادي المنهار عاملا آخر أكثر تأثيرا في قدرة جيش الصهاينة على إطالة أمد الحرب.. فمع انهيار الشيكل، وتوقف عائدات السياحة تقريبا، وتأثر كافة صور الحياة داخل الكيان بسبب ترك الآلاف أعمالهم بسبب استدعاء 300 ألف جندي وضابط احتياط للمشاركة في الحرب على القطاع.. كل ذلك من شأنه التأكيد على عدم قدرة الكيان الصهيوني إطالة أمد الحرب، والدخول في حرب استنزاف طويلة.

وإذا كان السابع من أكتوبر العظيم، قد أعاد إلى الذاكرة انتصار السادس من أكتوبر المجيد.. فإن حرب استنزاف جديدة ستعيد إلى الذاكرة الصهيونية، ذكرى حرب الاستنزاف التي أسماها الصهاينة حرب الألف يوم، والتي بدأت عقب هزيمة يونيو 1967، وامتدت إلى أغسطس 1970، وهي حرب اعترف بعض قادة الكيان أنهم خسروها بعد أن تلقوا خلالها ضربات موجعة لم ينسوها إلى اليوم.. وإذا كان التاريخ لا يعيد نفسه، بل يجد حينا ويهزل أحيانا، كما قال كارل ماركس.. فالأكيد أن الكيان الصهيوني في وضع هو الأسوأ عبر تاريخه القصير.. والذي لن يمتد طويلا هو الآخر بحسب كثيرين داخل الكيان يتوقعون النهاية قبل اكتمال العقد الثامن من عمر الكيان الغاصب.. إذ لم تعمّر مملكة لليهود أكثر من ذلك.. حتى ملك داود وسليمان -عليهما السلام- وفق أصح الروايات.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock