رؤى

مؤتمر باريس.. والاهتمام الأوروبي بملف السودان

برعاية مشتركة من جانب الاتحاد الأوروبي والحكومتين الفرنسية والألمانية، استضافت العاصمة الفرنسية باريس مؤتمرًا دوليًا، في 15 أبريل الماضي، خُصِّص لمناقشة سُبل تحسين الأوضاع الإنسانية في السودان، وفُرص حلحلة الصراع بين الجيش والدعم السريع. إلا أن المؤتمر قد تَسَبَّب في توتير العلاقات بين فرنسا والحكومة السودانية، لعدم قيام باريس بدعوة ممثلي الحكومة، ما اعتبر تعديًا على سيادة السودان، ونتيجة لذلك قوبل باستنكار من جانب الخارجية السودانية.

وجاءت الدعوة إلى المؤتمر بعد تصاعد المؤشرات الدالة على اتجاه الأزمة الإنسانية في السودان نحو الأسوأ، وتزايد احتمالات تسببها في إنعاش حركة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا؛ خاصة بعد أن أفادت إحصائيات مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين بهجرة 6 الآف سوداني إلى أوروبا منذ عام 2023.

ضمن أهم العوامل الدافعة للمحاولة الأوروبية في الدخول على خط الأزمة السودانية.. تبدو العوامل التالية:

أولًا: محاولة التحكم في ملف الهجرة غير الشرعية وتداعياته؛ إذ، نظرًا لارتباط الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وشرق أفريقيا، بالأمن الأوروبي بشكل عام؛ لذا، تأتي الخشية الأوروبية من أن يُفرز الصراع العسكري في السودان، مثلما ساهم في الدول المجاورة، موجات جديدة من اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا، المُثقلة في الأصل بالمهاجرين العراقيين والسوريين.

هذا، فضلا عن التخوف من أن انتقال الصراع السوداني إلى دول أخرى، بما من شأنه أن يساهم في زيادة مخاطر الهجرة غير الشرعية، وتداعياتها السلبية على أوروبا. ومن ثم، يقع هذا الملف، وإبقاء معدلات الهجرة عند الحدود الدنيا لها، في بؤرة التركيز الأوروبي على ضرورة حل الصراع السوداني.

ومما له دلالة على الاهتمام الألماني، إلى جانب فرنسا، بهذا الملف، هو قيادة ألمانيا لـ”عملية الخرطوم”، المشتركة بين الاتحاد الأوروبي ودول القرن الأفريقي لمكافحة أسباب وتبعات الهجرة غير الشرعية وغير القانونية، والتي كانت قد بدأت في عهد نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير.

ثانيًا: الحفاظ على استمرارية المشروعات الأوروبية في السودان؛ حيث تبدو محاولة التركيز على الاستقرار في السودان، والدخول على خط الصراع العسكري في البلاد، جزءًا من الحفاظ على المشروعات الأوروبية في الداخل السوداني. إذ، يمتلك الاتحاد الأوروبي 85 مشروعًا وبرنامجًا جاريًا في السودان، ممولة من ميزانية الاتحاد الأوروبي، والصندوق الائتماني للاتحاد الأوروبي (EUTF)، وصندوق التنمية الأوروبي (EDF)، الذي يُمثل الأداة الرئيسية لمساعدة الاتحاد الأوروبي من أجل التعاون الإنمائي في أفريقيا، بقيمة تقرب من 480 مليون يورو.

واللافت، من المنظور الأوروبي، أن الحرب في السودان يُمكن أن تُساهم في فتح جبهة جديدة ضد أوروبا والغرب لصالح روسيا، عبر إمكانية التحكم الروسي في ملف الهجرة غير الشرعية؛ هذا، فضلًا عن التخوف من بناء روسيا قاعدة بحرية في بورتسودان، أو على الأقل الحصول على تسهيلات سودانية بهذا الخصوص، من حيث إن المحاولة الروسية هذه تأتي في أهم الممرات البحرية، في نقل شحنات الطاقة إلى أوروبا.

ثالثًا: ضمان عدم تمدد الصراع السوداني إلى المحيط الإقليمي؛ حيث تأتي الخشية الأوروبية عمومًا، في إطار الحرب الروسية الأوكرانية، من انتقال عدوى الصراع العسكري في السودان، إلى دول الجوار الجغرافي للسودان، ومحيطه الإقليمي، خاصة دولتي إثيوبيا وإريتريا؛ بما يمكن أن ينتج عنه حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في منطقة شرق أفريقيا، وبما سوف يُمثل تهديدًا لأوروبا، وفي القلب منها ألمانيا وفرنسا؛ خاصة في حال محاولة استغلال منظمات العنف والحركات الإرهابية، هذه الفوضى، لتهديد الدول الأوروبية.

أضف إلى ذلك، أن الاهتمام الأوروبي، لا يتوقف فقط على كل من إثيوبيا وإريتريا، ولكن أيضًا بالشراكة التجارية مع كينيا؛ من منظور أن التربة والمناخ في كينيا، يوفران، في الرؤية الأوروبية، والألمانية تحديدًا، “ظروفًا ممتازة” لإنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث تأمل ألمانيا في استيراد ذلك الهيدروجين، والمساهمة في إنتاجه مثلما يحدث الآن في ناميبيا والمغرب.

رابعًا: الاهتمام الأوروبي والألماني بالسودان ومنطقة شرق أفريقيا؛ فمنذ إعلانها عن استراتيجية جديدة تجاه أفريقيا، قبل عامين، في ديسمبر عام 2022، كثفت برلين نشاطها في القارة الأفريقية غربًا وجنوبًا؛ إضافة إلى التحرك تجاه الشرق الأفريقي. وعبر هذه الاستراتيجية، أعلنت برلين أنها تعتزم التركيز على الاستثمارات في مجالات الطاقة المتجددة، علاوة على مصادر الطاقة التقليدية.

وبالتالي، يأتي الاهتمام الألماني بمحاولة حلحلة الصراع في السودان؛ نتيجة أهمية موارد السودان، الذي يمثل الكنز المدفون للدول الأوروبية والدولية، فهو يعني 1.4 مليون طن من اليورانيوم، و6.8 مليار برميل نفط، و85 مليار متر مكعب من الغاز؛ هذا، بالإضافة إلى “الذهب” وغيره من موارد السودان.

في هذا السياق، يُمكن القول بأن غياب الدور الأوروبي، النشط والمباشر، في محاولة حل الأزمة السودانية، ووقوف الاتحاد الأوروبي في موقف المتفرج، وترك الأمر برمته إلى التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فضلًا عن الصين، هو ما يدفع فرنسا وألمانيا إلى محاولة الدخول على خط هذه الأزمة، من منظور “التخوف الأمني”.

إذ، تأتي الأزمة السودانية لتحمل تداعيات سلبية على أوروبا؛ خاصة تلك المتعلقة بتزايد احتمالات الهجرة واللجوء من السودان إلى أوروبا، بما يمكن أن يُزيد الأمور تعقيدًا،  خاصة في ظل احتمال اتساع نطاق الصراع السوداني إلى المحيط الإقليمي في شرق أفريقيا، إلى جانب احتمال ظهور جماعات مسلحة تمارس العنف والإرهاب تستغل حالة الفوضى، لتهديد المصالح الأوروبية والألمانية في المنطقة.

ويبدو أن الدعوة لعقد مؤتمر باريس قد جاءت لتدل على توجه دول الاتحاد الأوروبي، خاصة فرنسا وألمانيا، إلى تعميق انخراطها في مساعي حلحلة الصراع في السودان، وذلك بعد أن أصبحت الأوضاع السودانية تُغَذي حالة الفوضى الأمنية في منطقة الساحل والصحراء. بل، إن التوجه الأوروبي نحو الصراع السوداني، يؤكد على الهدف الرئيس للاتحاد الأوروبي في محاولة تعزيز النفوذ السياسي للاتحاد في السودان.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock