رؤى

توحيد القوات المسلحة في ليبيا.. هل هو ممكن الآن؟

تعيش الدولة الليبية لحظات فارقة في ظل امتداد الأزمة لسنوات، وانتشار الميليشيات المسلحة، وعدم وجود توافق وطني أو خطاب قادر على “لم الشمل”، منذ سقوط حكم القذافي؛ فضلًا عن الافتقار إلى وجود مؤسسات فاعلة وقوية قادرة على تحجيم الأزمة، التي تتسع مع الوقت، في ظل مجتمع قبلي بامتياز.

وكمحاولة في حل هذه الأزمة، تصاعدت من جديد الأصوات التي تنادي بضرورة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، خاصة وأن اجتماعات اللجنة العسكرية “5+5” تعود إلى الانعقاد من جديد.

مسببات التعثر

رغم اتفاق قيادة الأركان التابعة للقيادة العامة (شرق ليبيا)، مع قيادة الأركان التابعة لحكومة الدبيبة (غرب ليبيا)، على كثير من النقاط الرئيسة، في اتجاه “بحث سبل توحيد المؤسسة العسكرية”؛ إلا أن إصدار كل جهة لبيان مستقل، في نهاية كل اجتماع بينهما، هو مؤشر دال على حالة الانقسام الجهوي والمناطقي الحاصل على الساحة الليبية.

ضمن أهم المسببات التي تساهم في هذه الحالة، وفي تعثر حلحلة الأزمة في هذا البلد، في الوقت نفسه.. ما يلي:

فمن جانب، عدم وجود سلطة سياسية موحدة؛ حيث إن غياب سلطة تستطيع أن تبسط هيمنتها على عموم البلاد، ساهم في ذلك الانقسام السياسي الحاصل منذ سنوات، وتلك الحالة من الاتهامات المتبادلة بين كافة الأطراف بـ”عدم الشرعية”، أو “محاولة الخروج على الشرعية”، وغيرها من اتهامات تؤدي إلى المزيد من الانقسام والتأزم السياسي والأمني.

وبدلًا من أن تُقدم القوى السياسية الحلول الناجعة لذلك التدهور الأمني والعسكري، والانقسام السياسي؛ فقد ساهمت -على العكس من ذلك- في ازدياد حالة التوتر والاحتقان السياسي عبر الخلافات المستمرة، والتجاذبات حول المصالح من مختلف التوجهات.

من جانب آخر، فوضى السلاح في ظل انتشار الميليشيات؛ فانتشار السلاح بيد تشكيلات غير تابعة للمؤسسة العسكرية بشقيها الشرقي والغربي، يأتي في مقدمة العراقيل التي فاقمت من حدة الأزمة في ليبيا. وتشير تقارير دولية، تعود لعام 2020، إلى أنه في ليبيا تنتشر حوالي تسعة وعشرين مليون قطعة سلاح، وهو ما يجعل البلاد “أكبر مخزن للسلاح في العالم”.

وعلى الوجه الخاص بالميليشيات، يكفي أن نلاحظ أنها قد تغولت، وتزايدت أعدادها من حوالي عشرين ألفًا، إلى ما يقارب المائتي ألف مقاتل؛ بل إن الوضع الذي تبدو عليه الميليشيات المسلحة، إنما يتشابه كثيرًا مع نظام الكتائب العسكرية الذي اعتمده القذافي، خلال العقدين الأخيرين من حكمه.

وإذا كان البعض يرى أن القذافي قد ارتكب خطأ فادحا، بتهميش الجيش لصالح الكتائب المسلحة، فإن الخطأ الذي لابد من الاعتراف به هو عدم قدرة الحكام الجدد، منذ عام 2011، على إصلاح ما أفسده “العقيد” ونظامه، حيث تُركت الميليشيات المسلحة، التي هزمت نظام القذافي، لتنمو وتتضخم على حساب جيش وطني موحد.

ومن جانب أخير، المخطط الإخواني والنفوذ الدولي؛ فمن بين مسببات التعثر في توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا، يأتي وجود المرتزقة الأجانب، أو بالأحرى وجود قوات أجنبية، الذي يرتبط دومًا بمخططات جهات خارجية تعمل على تقويض أي محاولة لتكوين مؤسسة عسكرية موحدة.

ويتواكب مع تداعيات النفوذ الدولي، في حالة الانقسام السياسي، والعسكري، في ليبيا؛ التأثير السلبي لتواجد جماعة “الإخوان المسلمين” فرع ليبيا. إذ، ليس خافيا على أحد، أن كثيرا من الميليشيات المنتشرة في طول ليبيا وعرضها، ما هي إلا أذرع عسكرية لبعض قوى الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية.. وفي مقدمتها جماعة “الإخوان”.

فاعليات التوحد

رغم مسببات التعثر تلك، التي تعوق توحيد المؤسسة العسكرية في البلاد، بل وتقف حجر عثرة في سبيل حلحلة الأزمة الليبية عموما؛ فإن هناك من الفاعليات ما يمكن أن يساهم في إنجاز  المهمة، وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني.

في مقدمة هذه الفاعليات، ما يلي:

أولا: ضرورة حل التشكيلات المسلحة بالمنطقة الغربية؛ ومثل هذا “الحل” يكتسب أهمية بملاحظة أن عدد الميليشيات في المنطقة الغربية، وتحديدا في طرابلس ومصراتة، يصل إلى خمسين ميليشيا. وهنا يكفي أن نشير إلى تقرير خبراء الأمم المتحدة المعني بليبيا، الذي نُشِر منذ أكثر من عام، في مارس 2021، والذي أكد على أن الميليشيات المسلحة، خلال ولاية حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، اكتسبت شرعية غير مستحقة، وحصلت على مناصب حكومية نافذة.

ثانيًا: فرز العناصر التكفيرية في التشكيلات المسلحة؛ فتوحيد المؤسسة العسكرية يجب أن يبدأ من وضع الأسس الحقيقية التي يمكن البناء عليها، وأهمها العقيدة القتالية الموحدة، وأسس دمج المقاتلين في المؤسسة العسكرية، تلك التي يجب أن تكون بعيدة عن التوجهات السياسية، ومسببات الانقسام السياسي في البلاد.

إلا أن الخطوة التي تسبق عملية دمج المقاتلين، هي ضرورة فرز العناصر التكفيرية المنخرطة ضمن أي فصائل أو ميليشيات؛ خاصة مع انتشار عناصر تنظيم سرايا مجالس الشورى ـ أحد أكثر الفصائل التكفيرية، والمصنفة إرهابية ـ في بعض الميليشيات بالمنطقة الغربية. فمثل تلك التشكيلات قد تساهم في إرباك مشهد توحيد القوات المسلحة، خصوصا أنها  غير منضبطة، وتأتمر بأمر مرشد الإخوان في ليبيا، الصادق الغرياني.

ثالثا: إعادة دمج المقاتلين في مؤسسات الدولة وسوق العمل؛ وفي هذا الخصوص، يمكن الإشارة إلى ملامح الخطة الدولية التي تمت مناقشتها خلال ورشة العمل الفنية في مدينة طليطلة الإسبانية، في 23 مايو الماضي، حول “طرائق الدعم الدولي لبرنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج الليبي”، التابع لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

وفي الوقت الذي أكدت فيه مشاورات طليطلة على ضرورة حل التشكيلات المسلحة بالمنطقة  الغربية الليبية، من حيث إنها تعرقل عمل الحكومات، بما يمنع الاستقرار وأداء المؤسسات لمهامها.. إلا أن هذه المشاورات، جاءت لتحمل كيفية تنفيذ الخطة الدولية، عبر تقسيم المنخرطين في تلك التشكيلات إلى ثلاثة أقسام:

الأول، يشمل المجموعات المنظمة والمنضبطة، وسيجري دمج عناصرها مباشرة بالقوات الأمنية الرسمية. فيما سيكون هناك قسم ثان، للمجموعات التي لا تحمل أفكارا متطرفة، والتي سيخضع أفرادها لدورات تأهيلية قبل أن تُدْمَجَ إلى جانب مجموعات القسم الأول، سواء في مؤسسات الدولة أو في سوق العمل. أما القسم الثالث، فيشمل المجموعات التي مارست نشاطات إرهابية أو إجرامية، وسوف يصنف أفرادها كمجموعات خارجة عن القانون، وملاحقتهم وفقا لذلك.

عوامل مؤثرة

في هذا السياق، يبدو أن النقطة المركزية في الأزمة الليبية عموما، وفي تعثر توحيد المؤسسة العسكرية على وجه خاص، هي الميليشيات المسلحة. إذ من بين الدول العربية التي شهدت ثورات على أنظمة الحكم فيها وإسقاط رؤوسها، انفردت ليبيا بظاهرة الميليشيات المسلحة؛ وهي الظاهرة التي ساهمت في ذلك التدهور الأمني وعدم الاستقرار السياسي طوال السنوات اللاحقة على سقوط القذافي ونظام حكمه.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock