رؤى

مصر: تفاؤل مشوب بالحذر.. بشأن تحفيز “الخصخصة” واقتراب انفراج الأزمة!

في إطار سعيها الدءوب لسد الفجوة الدولارية، تحاول الحكومة المصرية رفع درجة الثقة في أدائها لدى المؤسسات المالية الدولية، التي ترصد بدقة متناهية تداعيات الأزمة الاقتصادية المصرية التي أنتجتها عوامل عديدة داخلية وخارجية.. أهمها كوفيد19، والحرب الروسية الأوكرانية.

وقد توقع جوردون باورز وهو محلل اقتصادي بارز في شركة كولومبيا ثريدنيدل إنفستمنتس ومقرها لندن- أن الحكومة المصرية لن تتخلف عن سداد الديون المستحقة عليها خلال العامين القادمين، اعتمادا على متحصلاتها من بيع أكثر من 32 شركة مملوكة للدولة، أو إدراجها بشكل جزئي في البورصة؛ بهدف تعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وهو أحد توصيات صندوق النقد الدولي الذي ما زال مُصرا على إرجاء مراجعة برنامج الإصلاح الذي ستُمنح مصر بموجبه قرضا جديدا بقيمة 3 مليارات دولار.

كان المحلل الاقتصادي المُشار إليه قد اجتمع بمسئولين ومصرفيين بالقاهرة خلال مايو المنقضي، وهو ما جعله – حسب قوله- يغير رؤيته الاقتصادية بشأن مصر نحو الأفضل، مشيرا إلى أن تحفيز برنامج الخصخصة -الذي وصفه باورز بالأولوية الوطنية- والإصرار على إكماله حتى النهاية من شأنه الإسهام في حدوث انفراجة في القريب للأزمة المستحكمة.

ما يدعم رؤية باورز أيضا ما حدث من ارتفاع سندات الدين المصرية المقومة بالدولار ذات الأجل الأطول استحقاقا، بعد أن سجلت تراجعا بنحو 50 سنتا للدولار.. كما انخفضت تكلفة تأمين ديون البلاد ضد التخلف عن السداد بمقدار 103 نقاط أساس، الاثنين الماضي إلى حوالي 1650 نقطة.

لكن يبدو أن هذه المؤشرات المتفائلة، لم تقنع وكالة موديز انفستورز سيرفيس التي وضعت تصنيف مصر الشهر الماضي قيد المراجعة لخفضه، وكان مستقرا عند (B3).

وعلى نفس نغمة التشاؤم تلك، غرّد محللو بنك “كريدي سويس” في تقريرهم عن مصر الأسبوع الماضي إذ أعربوا عن شعورهم العميق بالقلق وخيبة الأمل حيال عدم التقدم في تنفيذ الإصلاحات المرتبطة ببرنامج صندوق النقد الدولي، وتحديدا بيع حصص بالشركات المملوكة للدولة، ومرونة سعر صرف العملة المحلية.. وتوقع التقرير أن يتراوح سعر صرف الجنيه من 45 : 50 جنيها مقابل الدولار خلال ثلاثة أشهر.

وتطمح الحكومة المصرية إلى جمع ملياري دولار بنهاية الشهر الجاري، تحصلت منها على 150 مليون دولار فقط إلى الآن.. كانت الحكومة قد نجحت في بيع حصة مملوكة للشركة المصرية للاتصالات في شركة فودافون مصر والمقدرة بـ 45% من أسهم الشركة.. وكانت الـ 55% الأخرى من الأسهم المملوكة لفودافون العالمية؛ قد ذهبت إلى شركة فوادكوم في صفقة نهاية العام الماضي، قُدّرت بنحو 60 مليار جنيه.

وتعتزم الحكومة أيضا بيع المصرف المتحد المملوك للبنك المركزي خلال الشهر الجاري. وكانت قد عينت مستشارين ماليين دوليين (بنك باركليز) لهذا الشأن منتصف الشهر الماضي.. وتعتبر هذه المرة هي المحاولة الثالثة من جانب الحكومة المصرية للتخارج من المصرف المتحد خلال عامين.

كما طرحت مصر ثلاث محطات أقامتها شركة سيمنز لتوليد الكهرباء – للبيع. وقد أبدت شركتا “أكتيس” و”إدرا باور هولدنغز” اهتمامهما بإحدى هذه المحطات بمحافظة بني سويف، وقدّرت الصفقة بنحو ملياري دولار.. وتعتزم الشركتان تقديم عروض للاستحواذ على أكبر حصة ممكنة من المحطة المذكورة، وصولا إلى الملكية الكاملة، والحصول على حق تشغيل المنشأة الواقعة جنوب القاهرة.. يذكر أن الشركتين المذكورتين قد تقدمتا بعرض بخصوص المحطة ذاتها عام 2019، وجرت مناقشات بهذا الخصوص لكن الأمر لم يتم.

وكان محللون في برايم المالية والأهلي فاروس، قد استبعدوا نجاح الحكومة في جمع ملياري دولار بسبب ضيق الوقت، مع الإشارة إلى أنه من الممكن جمع مليار واحد فقط كحد أقصى  بسبب ما يتطلبه إبرام الصفقات من إجراءات خاصة، مع الأخذ في الاعتبار أن تحرير سعر صرف الجنيه، وتوقيته، ما زال غامضا.. كما توقّع محللون أن النصف الأول من العام لن يشهد إنهاء الكثير من الصفقات؛ بينما سيشهد النصف الثاني من العام ثلاثة إلى أربعة طروحات حكومية على الأكثر.. ستكون على الأرجح: “إيلاب” التابعة لوزارة البترول المصرية، و”صافي” الغذائية و”وطنية” لمحطات الوقود التابعتين للجيش، بالإضافة إلى الشركة القابضة التي تضم محفظتها أصول عدد من الفنادق التابعة للحكومة.

كان موقع الشرق قد نقل عن مصدر حكومي رفض الإفصاح عن اسمه أن هناك عُروضا وصفها بالجيدة لعدد من أصول الدولة، وأن هناك أكثر من صفقة على وشك الإغلاق والإعلان عنها، لكنه ذكر أنه لا زالت هناك ضغوط تتعلق بقيمة الصفقات وسعر صرف الجنيه، وأضح المسئول أن فروقات الأسعار في الصفقات وتُقدّر بعشرات الملايين من الدولارات- تقف حجر عثرة في طريق إتمام هذه الصفقات.. وأضاف أن مصر التي لا ترضى بالتفريط في أصولها بأسعار تقل عن قيمتها- لن تستجيب لتلك الضغوط، وإن كانت تتفهم وضعها الحرج الذي يمنعها من أُغلاق العديد من الصفقات وإن بدا أنها وصلت إلى طريق مسدود.

وما زالت الرؤية المصرية بشأن الخروج من الأزمة الاقتصادية المستحكمة والمتمثلة في شح الدولار- تحتاج إلى مزيد من الوضوح، وطرح الحلول والبدائل دون الاعتماد على بيع الأصول الذي يحتاج إلى مدى زمني أطول من أن تحتمله الظروف الراهنة، ودون الاعتماد كليا على رؤى صندوق النقد الدولي في إصلاح الاقتصاد.. الذي تخبرنا العديد من تجارب الدول أن عواقبها كانت وخيمة، وأن الفاتورة التي دفعتها الشعوب في برامج الإصلاح تلك كانت فادحة.. فلماذا لا تتجه الحكومة إلى الأفكار غير الاعتيادية، وما أكثرها للخروج من هذا النفق المظلم الذي يبدو أن الضوء ما زال خابيا في آخره.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock